mercredi 18 mars 2009

Le Cedrac,centre de recherche sur le patrimoine arabe chretien

Le CEDRAC est un centre de recherche dont le but est de mettre en valeur le patrimoine arabe des chrétiens, religieux et culturel, par des conférences, des séminaires, des congrès et des publications. Il a vocation locale autant qu'internationale et s'efforce d'établir des liens de coopération avec différents organismes libanais et étrangers, tant au sein de l'université qu'à l'extérieur. De nombreuses activités sont engagées qui comprennent la direction de projets de recherches, l'organisation ou la participation active à des colloques et congrès, des publications, et la mise en place d'un fonds documentaire couvrant différents domaines du patrimoine arabe des chrétiens. Le centre est ouvert à toute personne désireuse de s'informer sur ce patrimoine

http://www.usj.edu.lb/recherche/cdr.htm?code=46
التراث العربي المسيحي


http://www.cedrac.usj.edu.lb/files/PAC-AR.pdf

Ancienne Bible en Syriaque trouvee a Chypre

Ancient Syriac bible found in Cyprus Reuters.com: "An undated handout photo released to Reuters February 6, 2009 shows an ancient manuscript which authorities in northern Cyprus believe is an ancient version of the Bible written in Syriac, a dialect of the native language of Jesus. The manuscript was found in a police raid on suspected antiquity smugglers. Turkish Cypriot police testified in a court hearing they believe the manuscript could be about 2,000 years old. Experts were however divided over the provenance of the manuscript, and whether it was an original, which would render it"

Fri Feb 6, 2009 7:57am ESTBy Sarah Ktisti and Simon BahceliNICOSIA (Reuters Life!) - Authorities in northern Cyprus believe they have found an ancient version of the Bible written in Syriac, a dialect of the native language of Jesus.The manuscript was found in a police raid on suspected antiquity smugglers. Turkish Cypriot police testified in a court hearing they believe the manuscript could be about 2,000 years old.The manuscript carries excerpts of the Bible written in gold lettering on vellum and loosely strung together, photos provided to Reuters showed. One page carries a drawing of a tree, and another eight lines of Syriac script.Experts were however divided over the provenance of the manuscript, and whether it was an original, which would render it priceless, or a fake.Experts said the use of gold lettering on the manuscript was likely to date it later than 2,000 years."I'd suspect that it is most likely to be less than 1,000 years old," leading expert Peter Williams, Warden of Tyndale House, University of Cambridge told Reuters.Turkish Cypriot authorities seized the relic last week and nine individuals are in custody pending further investigations. More individuals are being sought in connection with the find, they said.Further investigations turned up a prayer statue and a stone carving of Jesus believed to be from a church in the Turkish held north, as well as dynamite.The police have charged the detainees with smuggling antiquities, illegal excavations and the possession of explosives.Syriac is a dialect of Aramaic - the native language of Jesus - once spoken across much of the Middle East and Central Asia . It is used wherever there are Syrian Christians and still survives in the Syrian Orthodox Church in India .Aramaic is still used in religious rituals of Maronite Christians in Cyprus ."One very likely source (of the manuscript) could be the Tur-Abdin area of Turkey , where there is still a Syriac speaking community," Charlotte Roueche, Professor of Late Antique and Byzantine Studies at King's College London told Reuters.Stories regarding the antiquity of manuscripts is commonplace. One case would be the Yonan Codex, carbon dated to the 12th century which people tried to pass off as earlier.After further scrutiny of photographs of the book, manuscripts specialist at the University of Cambridge library and Fellow of Wolfson College JF Coakley suggested that the book could have been written a good deal later."The Syriac writing seems to be in the East Syriac script with vowel points, and you do not find such manuscripts before about the 15th century."On the basis of the one photo...if I'm not mistaken some words at least seem to be in modern Syriac, a language that was not written down until the mid-19th century," he told Reuters
http://www.reuters.com/news/pictures/articleslideshow?articleId=USTRE5152HR20090206&channelName=lifestyleMolt#a=1
LIBANIUS: Le Liban: Notre-Dame de Mantara ou de l’Attente, Maghdouché

jeudi 12 mars 2009

ريسيتال لأبرشية بعلبك- دير الأحمر في عيد البشارة
02 / 03 / 2009
إنّ عيد البشارة الواقع في 25 آذار من كل سنة، أصبح عيداً وطنياً للمسيحيين وغير المسيحيين؛
وتتحضر الدولة اللبنانية لإعلانه عطلة رسمية، بحسب ما أعلنته لجنة الحوار الاسلامي المسيحي...إنطلاقاً من هذا الحدث المنتظر، تنظم أبرشية بعلبك – دير الأحمر بالتعاون مع جمعية " طفولة من أجل السلام " الفرنسية، حفل رسيتال كبير، وذلك على مسرح كازينو - لبنان، في 23 و24 آذار القادم، تحيييه الأخت ماري كيروز القادمة من فرنسا خصيصاً لهذه المناسبة، والذي سيحضره مسؤولون روحيون وزمنيون والنُخَب المُحِبة للثقافة والموسيقى والسلام من كل لبنان. وللمناسبة أيضاً، تعدّ الأبرشية والجمعية الفرنسية كتيباً خاصاً يتضمن البرنامج التفصيلي للحفل، يعود ريعه لإستكمال المستشفى الريفي في دير الأحمر وتجهيزه.إنّ الأبرشية تدعوكم جميعاً للمساهمة المعنوية والمادية لإنجاح هذا العمل، كل بحسب طاقته، آملة من الرب تعالى أن يعوّض عليكم عطاءكم بالخير والبركة.راعي أبرشية بعلبك - ديرالأحمر

شرعة كنسية في ممارسة العمل السياسي وأخلاقيته

شرعة العمل السياسي

تواصلا مع مباديء وتوصيات السينودس من اجل لبنان، والمجمع البطريركي الماروني، ومؤتمرات البطاركة والاساقفة، والاجتماعات المسكونية في لبنان ، اعلنت اللجنة المشتركة لكنائس لبنان في5-3- 209 "شرعة العمل السياسي في ضوء تعليم الكنيسة وخصوصية لبنان" في مؤتمر عقد في قصر المؤتمرات في ضبيه ،حضره حشد كبير من المهتمين وشخصيات من كل الطوائف والاتجاهات.
وتتضمن الشرعة ثلاثة اقسام في خمسة فصول، تتحدث عن

- "السياسة فن شريف لخدمة الانسان والخير العام"،

- "العلاقة بين الكنيسة والدولة"

- "مشاركة المسيحي في الحياة السياسية"،

-"لبنان الوطن والخصوصية" و"لبنان الوطن والكيان"،

- "ميثاق العيش المشترك والصيغة"، و"انهاض لبنان والدولة المدنية الديموقراطية"،

- "معايير الانتخاب والمساءلة والمحاسبة".


بعد تناول "التمايز والتعاون بين الكنيسة والدولة"، تتحدث الشرعة عن المسيحيين والعمل السياسي:

"المادة 11، يجب على المسيحيين ان يشاركوا، كما غيرهم من اللبنانيين، في الحياة السياسية. هذا حق مرتبط بكرامة الشخص البشري، وغير قابل للمنع او الحد منه او الالغاء او الاختزال(...).
المادة 12: يشارك المسيحيون في الحياة العامة بحكم معموديتهم التي تشركهم في وظيفة المسيح الرب المثلثة: الوظيفة الكهنوتية التي تجعل من عملهم الزمني تسبيحا لله باكمال عمل الخالق، والوظيفة النبوية التي تدفعهم الى تجسيد جدّة الانجيل وبث روحه في حياتهم اليومية، العائلية والثقافية والاجتماعية، كخميرة في العجين وملح في الطعام؛ والوظيفة الملوكية التي تحملهم على السلوك في الحقيقة والمحبة والعدالة وحرية ابناء الله، وعلى نبذ الخطيئة وتحطيم قوى الشروالظلم".
المادة 13: ينبغي ان تتصف ممارسة المسيحيين للسلطة السياسية بالميزات الآتية:
أ – تعاطي الشؤون الزمنية باستلهام ضميرهم المسيحي، والجمع بين موجبات العمل السياسي والمبادئ الاخلاقية، ووحدة الحياة بالتناغم بين الروحي والانساني.
ب – روح الخدمة المتجردة والسخية، المتصدية للاغراءات والمناورات الخسيسة والكذب واختلاس اموال الدولة واستعمال اساليب غير شرعية وغير اخلاقية للوصول الى السلطة والاحتفاظ بها والتوسع فيها بأي ثمن.
ج – التحلي بالقيم الانجيلية والانسانية ولا سيما منها بساطة العيش، والتفاني في سبيل الخير العام، الحب التفضيلي للفقراء، وروح الغيرة والتضحية.
د – التزام قضية السلام وجعله ثمرة للعدالة ونتيجة لانماء الشخص والمجتمع، وتوطيده على اسس الحقيقة والمحبة والعدالة والحرية، مع نبذ العنف والارهاب وعسكرة السياسة.
هـ- المصالحة والغفران على كل من المستوى الروحي مع الذات ومع الله، والمستوى الاجتماعي بالتضامن والتفاهم ومساعدة الفقراء والمعوزين وتحقيق العدالة التوزيعية، والمستوى السياسي ببناء الوحدة الوطنية ودولة الحق الصالحة والعادلة والقادرة، والمستوى الوطني بابرام عقد اجتماعي ميثاقي يحصن العيش معا ويضمن مشاركة الجميع العادلة والمنصفة في ادارة شؤون البلاد.
و – تعزيز الديموقراطية القائمة على الشريعة الاخلاقية المتأصلة في طبيعة الشخص البشري، وعلى اخضاع المصالح الخاصة والفئوية للصالح العام، وعلى ممارسة واجب المساءلة تجاه المسؤولين المدنيين".


- وفي موضوع "لبنان الوطن والخصوصية"، شرحت الشرعة طريقة العمل السياسي، والدعوة الى "انهاض لبنان على اسس التمسك بقواعد الايمان بالله والوطن"، والى "واجب انهاض لبنان من كل الذين يتعاطون السياسة والشأن العام ان يتمسكوا بمبادئ الحوار وحل الخلافات في اطار المؤسسات الدستورية، رافضين الاحتكام الى اي شكل من اشكال العنف والصدامات المسلحة، ويعتمدون على الجيش وقوى الامن الداخلي دون سواهم للمحافظة على امن المواطنين والاستقرار. وعليهم ان يرتقوا بخطابهم السياسي الى مستوى المسؤولية الاخلاقية والوطنية الجامعة، مجنبين لبنان مساوئ تحويل الخلافات والنتائج الانتخابية الى ازمات سياسية على مستوى الوطن كله".


وتضيف الشرعة في هذا الباب:كذلك واجبات السلطة السياسية:
أ – اعتماد آليات للحؤول دون تعطيل عمل المؤسسات الدستورية الكفيلة وحدها توطيد الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، وتفعيل هذه المؤسسات، وتحسين كوادرها وتعزيز عمل المجالس والاجهزة الرقابية؛ وتحقيق الموازاة بين المسؤوليات العامة والصلاحيات، وتعميم المهل الدستورية والقانونية على كل مستويات القرار.
بالعمل على تحييد لبنان عن الانجراف في سياسة المحاور الاقليمية والدولية، وعن التمحور في احلاف خارجية تخوض صراع مصالح ونفوذ على ارض لبنان وعلى حسابه. وجعل لبنان بلداً نموذجيا للحوار العالمي وملتزما قضايا السلام والعدالة وترقي الشعوب.
ج – تحقيق اللامركزية الادارية الموسعة واللاحصرية كأولوية قصوى، تخفيفا من حدة الصراع على السلطة المركزية وتعزيزا للانماء المتوازن.
د – تعزيز الحياة الاقتصادية والاجتماعية واصلاحها، بتطبيق المبادىء الاخلاقية الكفيلة الحدّ من الفساد والمضاربات والصفقات غير المشروعة (...)".
هـ – محاربة الفساد بارساء حكم القانون والسهر على تطبيقه دونما استثناء واستنساب، ويمنع التدخل السياسي في التعيينات الادارية. ومحاسبة الراشي والمرتشي.
و – الاهتمام بالطاقات الشبابية تثقيفا وتربية وتوظيفا في القطاعين العام والخاص. وتأمين فرص عمل لهم وفقا لاختصاصاتهم ومهاراتهم.
ز – تعزيز مساهمة المرأة في المسؤوليات العامة، بما لها من حقوق وطاقات وحضور وحسن مقاربة.
ح – الاهتمام باللبنانيين المنتشرين بتمتين الروابط الوطنية والروحية معهم، واعادة حقوقهم اليهم وبخاصة الجنسية لمن تحق له، والاستعانة بقدراتهم ومنحهم حق الاقتراع.ويقتضي انهاض لبنان ان تنشأ دولة مدنيّة ديموقراطية حديثة بالشروط التالية:
أ – التمييز الصريح بين الدين والدولة.
ب – ممارسة الديموقراطية ممارسة صحيحة، ونشر ثقافتها، تأمينا لتداول السلطة وتجديد النخب السياسية واستمرارية الاصلاح، ولتوفير مستلزمات الحياة الكريمة للجميع.
ج – التوفيق بين مقتضيات المواطنة والتنوع. فالمواطنة تقتضي المساواة في الحقوق والواجبات بين الجميع، والتنوع يستدعي المشاركة الفاعلة والمتوازنة من قبل الجميع.
د – وضع قانون عادل للانتخابات النيابية، يؤمن صحة التمثيل والمشاركة المتساوية، ويمكن المواطنين من مساءلة ممثليهم ومحاسبتهم".


وفي الشرعة ايضا شروط يجب ان تتوافر في المرشح أولها "ان يكون ولاؤه الاول والاخير للبنان، ومؤمنا، بالديموقراطية السليمة، ويتمتع بالخلقية، ويمارس التنافس الديموقراطي ويحترم ارادة الناخبين.


وختاماً: "ان الكنيسة في لبنان تنشر هذه الشرعة لتنوير العقول وايقاظ الضمائر وتنقية النفوس. آملة من الجميع في الأخذ بها لتصويب ممارسة السياسة. هذا الفن النبيل وهذه المسؤولية الخطيرة، بغية تنمية الشخص البشري وتطوير المجتمع".

lundi 9 mars 2009

ماذا يقول الشعب عن الكنيسة؟

Vid鯳 - UnHomme.fr - Le magazine des Hommes Modernes: "I agree with the Moutran. There should be a policy in church to penalize those who disrespect the priests and the church in general. The muslims are better than us, have we seen a muslim politician disrespecting the Azhar or Najaf or disrespecting his spiritual leader, why should the Christians be a bad example? The church should apply the punishment on anyone who criticises"

Pastoral letters and official texts of the Council of Catholic Patriarchs of the Orient

Pastoral letters and official texts of the Council of Catholic Patriarchs of the Orient

INTRODUCTION ,FAITS NOUVEAUX ET CHANGEMENTS A - Dans le monde B - Dans notre monde arabe C - Dans nos Eglises Eglises vivantes Nous faisons mémoire et nous rendons grâce Nous nous interrogeons PRESENCE DE FOI ET DE PRIERE Une foi personnelle Présence et prière UNE PRESENCE INCARNEE Le Christ incarné L’Eglise incarnée L’héritage de l’Orient L’héritage chrétien arabe

PRESENCE ET SERVICE Le Christ serviteur L’Eglise servante Le service de l’homme PRESENCE OECUMENIQUE "Nous serons chrétiens ensemble ou nous ne serons pas" "Qu’ils soient un" Appel fervent et fraternel PRESENCE ET DIALOGUE Dialogue avec nos frères musulmans Nos frères juifs sont partenaires dans ce dialogue Dialogue avec tout homme de bonne volonté PRESENCE ET DROITS DE L’HOMME Primauté de l’homme Un combat pour l’homme Les Chrétiens d’Orient en Diaspora Conclusion

Le Patrimoine à sauvegarder par les Maronites et les chretiens libanais

الكثير المطلوب من الموارنة ، شارل مالك“إنّ من أُعطي كثيرًا يُطلب منه الكثير”.
لقد أعطي الموارنة كثيرًا ولذلك يُطلب منهم الكثير
-أولاً: جبل لبنان
أُعطوا، أولاً، هذا الجبل العظيم. جبل لبنان اسم من أعطر الأسماء في الكتاب المقدس وفي التاريخ. اقترن اسمه بالمجد والكرامة والشموخ والبهاء والجمال والقداسة والصمود والرائحة الزكية، وبـ “أرز الرب” الخالد. وهو اليوم استراتيجيًا من أشد الحصون مناعة في هذا المشرق، ليس لذاته وفي حدّ ذاته فحسب، بل في تدبير الشرق الأوسط الدفاعي العام. لم يُعطَ شعب في المنطقة كلها شيئًا بالطبيعة شبيهًا به، وإذا اعتبرنا أهمية هذه المنطقة اليوم في الاستراتيجية العالمية، وموقع الجبل الفريد، الشامخ من البحر مباشرة، صحَّ القول، لربما، إن شيئًا شبيهًا بهذا الجبل لم يُعطَ لقوم في العالم. إنه عطية عظيمة.التفريط به، بأي شكل، جريمة لا تُغتفر. السؤال هو: هل يستأهل اللبنانيون، هل يستأهل الموارنة، هذه العطية العظيمة؟ هل يقدرونها حق قدرها؟ لبنان مُعطى للجميع، ولذلك كلنا جميعًا، وبالأخص الموارنة، مؤتمنون على هذا الجبل، مؤتمنون عليه كي يبقى منيعًا بأيديهم وبأيدينا كلنا، وكي يكونوا ويبقوا هم، ونكون ونبقى جميعًا جديرين بما اقترن اسمه به معنويًا في التاريخ.”مجد لبنان أعطي له” شعارٌ يدل على أن مجدًا عظيمًا أعطيَ الموارنة، مجدًا بقدر ما يبعث على العزة والفَخار يستدعي أيضًا منتهى العِبرة والتواضع.-
ثانيًا: لبنان أعطي الموارنة، ثانيا، لبنان شعبًا وتراثاً وقيمًا. لا يمكن فصل شعب لبنان وقيمه وتراثه عن جبل لبنان. عندما أقول إن الموارنة أعطوا لبنان بشعبه وتراثه وقيمه، لا أعني أن الفئات الأخرى بتراثها وقيمها هي ملك للموارنة. إن ما أعنيه أن الفئات جيمعًا أعطيت بعضُها لبعض بمجرد تواجدها في بلد واحد تتفاعل فيه بعضها مع بعض. بهذا المعنى لبنان، بشعبه وتراثه وقيمه، أعطي للدروز وللسنيين وللشيعة وللأرثوذكس وللكاثوليك الملكيين ولجميع الفئات الأخرى التي تتكوّن منها الأسرة اللبنانية، لكنه أعطي أيضًا للموارنة. من هنا مسؤوليتهم الهائلة تجاه الآخرين المُعطَونَ لهم. إني أستفرد هنا إعطاء لبنان للموارنة لأننا في صدد الكثير المعطى لهم، وبالتالي في صدد الكثير المطلوب منهم بالذات.والمطلوب منهم، قبل كل شيء، بالنسبة للبنان المعطى لهم، شعبًا وتراثاً وقيمًا، أن يحرصوا الحرص كله على الحرية الشخصية الكيانية الإنسانية المسؤولة، التي وحدها تؤمن تعددية تراثاته وتفاعلها السلمي الخلاّق بعضها مع بعض. بإمكان الموارنة أن يتساهلوا في كل شيء أو يتفاوضوا حول أي شيء ما عدا هذه الحرية الشخصية الكيانية. بدونها لا وجود لهم وحتى لا معنى لوجود لبنان، حتى إن وُجد. ووجوده عندئذ كعدم وجوده تمامًا. وعندما يتساوى الوجود وعدمه، ينعدم. أما بوجود هذه الحرية، قائمة مضمونة ثابتة، فباستطاعتهم مع الزمن أن يستعيدوا كل شيء تساهلوا به أو تنازلوا عنه. أما بدونها فما يملكون، أو يظنون أنهم يملكون، سيخسرون.-
ثالثاً: مجتمع تعدديأعطي الموارنة بلدًا مجتمعه حر، تعددي، والمسيحية فيه حرة. هذا شيء كثير، خاصة في الشرق الأوسط، ولذلك يُطلب منهم الكثير الكثير.يُطلب منهم، وهم مقدّرو الحرية الأُوَل وعاشقوها، ألا يعملوا شيئًا، أو يقبلوا بشيء، يؤول الى تقليص حرية لبنان، بل أن يعملوا كل شيء لتمتين هذه الحرية وتعميقها وجعلها أكثر أصالة ومسؤولية.يُطلب منهم، وهم العارفون الأُوَل لخطورة الاحترام المتبادل، أن يشددوا على هذا الاحترام ويمارسوه بالفعل في صلاتهم مع جميع فئات لبنان. ممارسة هذا الاحترام الصادقة ليست أمرًا آليًا ذاتيًا طبيعيًا: إنها كمالٌ موهوبٌ من فوق. وهذا “الفوق” يعرفونه جيدًا، الذي سمعوه آلاف المرات يقول لهم: “أحبِبْ قريبك حُبَّك لنفسك”، بل “أحبُّوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسِنوا الى مُبغضيكم”.يُطلب منهم، وهم الجسم المسيحي الحر الأُوَل في لبنان، أن يحرصوا أشد الحرص على المسيحية الحرة، ليس لهم فحسب بل لكل فئة مسيحية أخرى. المسيحيون الآخرون مسيحيون مثلهم تمامًا، ومن حقهم أن يكونوا في مسيحيتهم أحرارًا مثلهم تمامًا.أن تكون المسيحية حرة بالفعل، لا بالإيهام والإدعاء الكاذب، في الشرق الأوسط فقط في لبنان، حرة كما هي حرة في أوروبة وأميركة تمامًا، إنّ هذا لأمرٌ في منتهى الخطورة في هذا الزمن. ليتنا ندرك مغزاه، ليتنا ندرك ما هو مطلوب منا بشأنه، ليتنا نعرف ونقدر تعجُّب أرفع النفوس في العالم لمجرد وجوده! مجرد وعيه يوحي بأن لبنان مميّز تمامًا ليس في شؤون تافهة بل في أدق الشؤون وأخطرها. إذا سقطت المسيحية الحرة في لبنانـ ولبنان آخر معقل لها في المشرق ـ انتهى أمرُها في الشرق الأوسط كله، بل في آسية وإفريقية. هذه مسؤولية لا أجسَم منها ولا أخطر! والموارنة هم المسؤولون الأُوَل عنها أمام العناية الإلهية. هل يعون هذه المسؤولية بالفعل؟ هل يقدرون خطورتها المتناهية؟ هل يفقهون مغزى أنها أوكلت إليهم؟-
رابعًا: مجد لبنان… لهم أُعطيَ الموارنة بكركي. بكركي مركز روحي فريد في الشرق الأوسط. الكل يتطلعون الى قيادته وتوجيهه. باستطاعة هذا المركز الكبير جمع شمل الموارنة وأكثر من الموارنة. أثره يُلمس إذا تحرك، وقد يُلمس أكثر إذا لم يتحرك، أو إذا تحرك بما لا يتكافأ مع قدر التحدي. أما نجاعة التحرك فتتوقف على العيش على مستوى لحظة التاريخ الحاسمة. لا يكفي مجرد الحفاظ على الرعية والأعراف والتراث، لا يكفي مجرد البقاء والاستمرار. الحاسم اليوم وعيُ الحركات المصيرية الصاخبة في العالم وعيًا مسؤولاً تامًا، وتوظيفُها، أو توظيف ما أمكن منها، في سبيل التراث والبقاء.بكركي من الأهمية بحيث إذا خرِبَ لبنان وبقيت هي سليمة معافاة قوية، ماسكة بيد من حديد بزمام دعوتها التي أُنيطت بها أزليًا، فباستطاعتها وحدها أن تعيد تعمير لبنان. أما، لا سمح الله، إذا خربت بكركي أو وَهَنت أو حلّ بها سقم ما، فلبنان وحده لا يستطيع إغاثتها كي تستعيد عافيتها وتبني ذاتها من جديد. وإذا كان لبنان خرِبًا فقد لا يستطيع أن يُعمِّر نفسه بنفسه إذا كانت بكركي أيضًا خرِبة. أي مؤسسة أخرى في لبنان يصح فيها هذا القول؟وإذا قدرنا ماذا يعنيه لبنان تاريخيًا وعالميًا، تجلّى لنا مركز بكركي الفريد، وتِبعَتُها العظمى، في لبنان وفي العالم.أما أسباب تفرُّد بكركي بهذا المركز العظيم فتعود الى طبيعة المارونية والموارنة، والى تاريخهم وتمركزهم في هذا الجبل، والى مجتمعهم المتلاحم المتراص، والى تنظيمهم المدني والكنسي. كل من هذه العوامل يستدعي بحثاً خاصًا مستفيضًا. بكركي مؤسسة حتم إفرازها تاريخ الموارنة، وطبيعتهم، وخبرتهم الكيانية، ومعاناتهم ومعاناة مسيحيي هذا المشرق الصاخبة المأساوية عبر الأجيال، المعاناة التي لم تستقرّ يومًا، وقد يكون قدرها أن لا تستقر أبدًا.إذا شاءت العناية أن تمثِّل بكركي دورها المرسوم، وإذا استجابت بكركي لهذه المشيئة، فباستطاعتها أن تكون العامل الحاسم في مصير لبنان وفي مصير أكثر من لبنان. هذا الدور الحاسم يستدعي منتهى الحكمة والحزم والإقدام والتضحية والتواضع. وعلى أية حال، فإن الموارنة أعطوا بكركي، وهي شيء كثير، ولذلك يُطلب منهم ومن بكركي الكثير.-
خامسًا: التراث الآراميأعطي الموارنة تراثاً آراميًا سريانيًا عريقاً. يربطهم هذا التراث، تاريخيًا وثقافيًا ودينيًا، بمتبقيّات الحضارة الآرامية العظيمة في هذا المشرق، التي تشمل، بين الأحياء، الآشوريين والسريان والكلدان والنساطرة واليعاقبة وغيرهم. إنها حضارة من أهم حضارات المشرق.الحضارة السريانية الآرامية حضارة عظيمة عريقة. تعرفها وتنقب عنها وتحترمها وتدرسها وتدرِّسها جامعات روسية وألمانية وفرنسية وبريطانية وأميركية. وهي تشكل، فوق ذلك، تراثاً لا يزال حيًا (والتراث التراث هو التراث الحي فقط، إذ ما ليس بحيّ هو، طبعًا وبكل بساطة، غير موجود) في مجتمعات حية قائمة في الشرق الأوسط ومنتشرة في العالم. مَنْ أولى من الموارنة بإحاطتها بالاحترام والتكريم والتقدير والدراسة والإحياء؟إنها معطاة لهم. إنها حية قائمة في صُلبهم. إنهم مسؤولون عنها قبل سواهم، ليس فقط بقصد دراستها تاريخيًا نظريًا فضوليًا، كما يصنع الأوروبيون والغربيون على العموم، بل بقصد ربطهم، حياتيًا ثقافيًا روحيًا ـ وهم المجذَّرون فيها ـ بمتبقيّات هذه الحضارة في الشرق وفي الانتشار الحي لها في العالم.-
سادسًا: الليتورجيا المارونية أعطي الموارنة طقسًا ليتورجيًا عظيمًا. لم أتعرّف على الليتورجية المارونية بشكل يمكنّني من تقديرها إلا منذ بضع سنوات، وأنا حتى الآن أفهم وأتذوّق وأوحد نفسي مع ليتورجية الذهبي الفم الأرثوذكسية وأدخل في صميمها أكبر بكثير من تذوّقي ودخولي وتوحيد نفسي مع الليتورجية المارونية، لأني وُلدت في الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة وترعرعت في أحضانها. لكني أعتقد أني أخذت أفهم الطقس الماروني والروحانية المارونية بحيث أصبح بإمكاني إبداء رأي، ولو متحفِّظ، فيهما.عبقرية هذا الطقس وهذه الروحانية شعبيتهما. ينبعان من الشعب ولا يهبُطان عليه من فوق. بهذه الشعبية الحميمة تتميّز الليتورجية المارونية عن الليتورجية الأرثوذكسية. في هذه الأخيرة، حين يُرنَّم القداس بأكمل وجه، تتنسّم مجد بيزنطية الأمبراطوري، أما القداس الماروني فتجسيد رائع عفويّ لقلوب الشعب ومشاعره. الشعب المؤمن الصبور، لا الأمبراطرة ولا البطاركة ولا اللاهوتيون، يمجّد المسيح. لا تشعر أنك في حضرة أي قيصر أو أي بطريرك، حتى لو كان القيصر أو البطريرك حاضرًا. تشعر أنك بين الأرامل واليتامى، بين العمال والفلاحين، بين الخطأة والتائهين، بين مساكين الروح وودعاء النفس.هذه عظمة الطقس الماروني، شعبيته، ديمقراطيته، عفويته، بساطته، خلوُّه من أي عظمة بشرية، اشعاره نفس المتعبّد بأنها هي مبدعته وقائلته. الطقس الماروني يوحي تشبثاً واكتفاء بما أنتجه هذا الشعب وهذه التربة، كأنه يصرخ في وجه الهيلينية: أنا لست بحاجة إليك، إني ألوَّث إذا غزوتني! الطقس الماروني صرخة استقلال تام عن كل أثر ثقافي نافذ إليه من الخارج. استقلالية الموارنة السياسية الرائعة هي ذاتها تتجسد في استقلالية الطقس الماروني. الاستقلاليتان تنبعان من مصدر واحد: الاكتفائية المارونية الأصلية.الاستقلاليتان تتعانقان وتتكاملان. هذا التعانق المتكامل بين الاستقلال السياسي والاستقلال الطقسي هو الذي مكّن فيهم عشقهم للحرية. أية فئة أخرى في لبنان، بل في هذا المشرق كله، كان بإمكانها الحفاظ على الحرية الشخصية الكيانية كما صنع الموارنة بالفعل؟ وسبب ذلك اكتفائيتهم السياسية واكتفائيتهم الطقسية، المنحدرتان من اكتفائية كيانية أصلية واحدة.المطلوب أن يقدر الموارنة عظمة تجذر طقسهم في التراث الشعبي المحلي وقيمة هذا التجذر، أن يحافظوا عليه ويرعَوه لقيمته في حد ذاته ولأنه هو القمينُ بتمكين الموارنة من حب الاستقلال والحرية، أن يروا فيه قوة ديمقراطية هائلة نابعة من تحت، من نفوس المؤمنين، أن يوظفوا هذه القوة المعطاة في سبيل مجد المسيح والكنيسة، وأيضًا في سبيل لبنان من أجل المسيح والكنيسة، وأن يروا كيف أن المسيح ومريم باركا هذا الشعب في بساطته العظيمة البعيدة عن كل فلسفة وتفلسف، وفي تعبّده الصادق القلبي لهما، وتعلقه بهما.هذا تنوّع الكنيسة الجامعة الواحدة العظيم، تنوّع يسمح ويُرَحِّب بكل عطاء ثقافي محلي، شرط ألا يناقض معطيات الوحي وتحديدات العقيدة. والكنيسة عرفت كيف تنقّي التراث اليوناني والتراث الماروني الأرامي السرياني من شوائب الوثنية في التراثين، وتقدمها ذبيحة طاهرة ذكية لمجد المسيح.-
سابعًا: العلاقة برومية أعطي الموارنة هذا الارتباط الوثيق برومية. التراث المسيحي الشرقي الأرثوذكسي مفتوح للأرثوذكسية بتمام كماله، بينما المارونية، بالإضافة الى التراث السرياني الآرامي الشرقي، مفتوحة الى التراث الغربي المسيحي الروماني. المارونية ليست مفتوحة الى التراث الأرثوذكسي الشرقي انفتاحها الى التراث الروماني الغربي. رومية، بما تعنيه عالميًا وتراثيًا، خلّصت الموارنة من أي انعزالية محض محلية أو شرقية. إنه ثراء هائل، أن ترتبط الشرقية السريانية، على محدوديتها، بالغربية الرومانية بعالميتها اللامحدودة.علاقة الموارنة برومية هي التي حفظتهم من أي انحراف عقائدي. فضل رومية على الموارنة فضل لا يُقدّر، وردهم على هذا الفضل وفاؤهم لها. رومية فتحت أمامهم آفاق الإنسان والتاريخ والعالم، وبذلك دخلوا الى حد بعيد في التراث الإنساني العالمي الواحد المتراكم. والموارنة، بفضل رومية، يعرفون العالم، زمنيًا ومكانيًا، ومخافتهم تركّز على الله والحقيقة فقط.-
ثامنًا: التاريخ الموحدأعطي الموارنة تاريخًا موحّدًا، منفصلاً، قائمًا في حد ذاته، محدّد المعالم. لا تتمتع أي فئة أخرى في لبنان، بل لربما في أوسع من لبنان، بهذه الصفة المُعطاة. لم يُكتب تاريخ موحّد لأية فئة أخرى بالدقة والتفصيل والتواصلية التاريخية العريقة غير المتقطعة، التي كتب بها تاريخ الموارنة، وقد لا يكون بالإمكان وضع تاريخ لها بنفس الدقة والتواصلية، إذ قد يكون أن ليس لها تاريخ بنفس المعنى. ليس هذا من سبيل الصدف. تصوّر تاريخ السنّة في لبنان، أو تاريخ الشيعة، أو تاريخ الدروز، أو تاريخ الأرثوذكس، أو تاريخ الكاثوليك الملكيين. بالطبع يمكن لهذه التأريخات أن تُكتب، لكن هل تستند بالفعل الى تاريخ حقيقي؟ إن هذه التواريخ جميعًا لا يمكن تصوّرها بالوحدة والتحديد، والبعد والعراقة التاريخيين، وبالتواصلية، التي يُتصوّر بها تاريخ الموارنة.ليس عبثاً ولا باطلاً، وليس هباءً ولا سدًى، وليس للاشيء ولا للاعلة أو سبب، أن الموارنة وُجدوا، وأنهم يتمتعون بهذا التاريخ الموحّد المتواصل الفذ لألف وخمسمئة سنة. وجود هذا التاريخ، وبالتالي وجود الموارنة ينطوي على سر. أعطوا الوجود، وهذا شيء كثير، وبالتالي يُطلب منهم الكثير.
وإذا تأملت كل ما أعطوه بعد الوجود، ومع الوجود، وفوق الوجود، لخلصت الى أن ما يُطلب منهم هو كثير كثير .-
تاسعًا: العلاقة مع العرب واليهود بسبب سريانيتهم، أعطي الموارنة، فوق إمكان ربط أنفسهم بالعالم السرياني الحي، أن يكون أقرب الناس، مزاجيًا وتراثيًا، الى العرب واليهود معًا. اللغة أهم ظاهرة حضارية، لأنها بأعمق معانيها هي الحياة، تُعيّن الجذور والأصول والتراث، تُعيّن وشائج القربى.المؤمن لا يؤمن بالصدفة والقدر، المؤمن يرى، بالإيمان، العناية وراء كل شيء وفوق كل شيء وأمام كل شيء. يؤمن بوجودها حتى في حال جهله لمشيئتها تمامًا، بل بالضبط في حال هذا الجهل. يؤمن بها ويصبر على تجلي حقيقتها. يعرف أن لكل تجلِّ وقته وزمنه.
لماذا بقي الموارنة حريصين على تراثهم الآرامي؟
هل هي مجرد الصدفة التي أبقتهم؟
هل هي مجرد طبيعة الأشياء التي نفقهها بالعقل التي أبقتهم؟
هل هو مجرد قبوعهم في هذا الجبل المنيع؟
المؤمن لا يرتاح لأي من هذه التعاليل.-
عاشرًا: القدرة على العطاء في العطاء عظيمين، أي حقل لم يُعطوا فيه،
أي نطاق لم يحتلوه ولم يصولوا ويجولوا في رحابه؟
من أسهم في النهضة العربية الحديثة في المئتي سنة الماضية في شتى الحقول أكثر من الموارنة؟
من اتقن اللغة العربية وعرفها في أغوار عبقريتها في العالم كله، كما اتقنها وعرفها في عهدنا أمين نخله وفؤاد افرام البستاني؟
أي شعر عربي يقرب من شعر سعيد عقل؟
أي دائرة معارف عربية تقرب، في سعتها وحريتها وعدم خوفها من قول الحقيقة عن كل شأن وفي كل باب، من دائرة معارف فؤاد افرام البستاني؟
من أسهم في ترجمة روائع المؤلفات الكلاسيكية العالمية الى العربية في العالم كله أكثر من الموارنة؟
من ترجم توما ـ وتوما هو من هو ـ الى العربية غير الموارنة؟
بل من كان بمقدوره أن يفكر بترجمة توما من العالم العربي كله غير مسيحيي لبنان وخاصة الموارنة؟
من عُرف في العالم العربي كله في الأدب العالمي أكثر من جبران؟
الرسامون كثر، لكن جبران وصليبا الدويهي وقيصر الجميّل يحتلون مركزًا رفيعًا خاصًا.

-حادي عشر: كنز الوصايا
يوجد مُعطًى ويوجد معطٍ. الله وحده هو المُعطي والمُعطى في آن، الله فقط هو مُعطي نفسه، أما الإنسان فلا يعطي نفسه، يعطي الإنسان من فضْل ما أعطيه. ومعطي الإنسان هو الله.
ليس أمرا تافهًا أن يُعطى الموارنة، ونُعطى جميعًا معهم:هذا الجبل الشامخ الفريد العظيم،شعب لبنان بتراثه وقيمه،بلدًا مستقلاً، مجتمعه حر تعددي،بكركي، بكامل ما عنته وتعنيه،تراثاً آراميًا سريانيًا عريقاً،طقسًا ليتورجيًا عقائديًا وثيقاً برومية والغرب،تاريخًا خاصًا موحدًا منفصلاً قائمًا في ذاته،أن يكونوا أقرب الناس، أصلاً ومزاجًا وتراثاً، الى اليهود والعرب، وحيوية وخصبًا في العطاء فريدَين.
هذه العطايا العشر، في كل واحدة منها وفي مجموعها، تشكل كنزًا من القيم والإمكانات يكاد يكون فريدًا في العالم كله. تأملها بإنعام نظر تام يكشف عظمة التبعة الكيانية المسؤولة التي يحملها الموارنة. هذه العطايا العشر العظيمة، لم يُعطِها الموارنة لأنفسهم. إن “أبا الأنوار”، من جوده العلي، هو الذي أعطاهم إياها.
حريٌّ بهم، إذن، أن “لا يتكبروا” و “يتباهو” كأنهم “لم ينالوها”.
ما أسهل التفلسف على الموارنة! مَنْ لا يتفلسف عليهم اليوم؟
مَنْ مِنْ أعداء لبنان وحرياته وقيمه لا يعاديهم ولا يحاول تسويدَ اسمهم وتفكيكهم بعضهم من بعض؟
إن هذا لفخرٌ لهم. إنه دلالة دامغة على مركزهم وأهميتهم. ومع ذلك هم صامدون. “يا جبل ما يهزّك ريح!”.
وقد يكون سهلاً كذلك تحليل ما أُعطوه. وما محاولتنا هنا، على حدودها ونقائصها، إلا أحد التحاليل الممكنة.المهم ليس تحليلهم ولا التفلسف عليهم بل أن يتساءل اللبنانيون الآخرون، غير الموارنة
:1
) هل نقدر بالفعل، بلا تحيُّز ولا وراب ولا حكم مسبق، ما أعطي للموارنة حق قدره؟
2) أيًا كان ما أعطيه الموارنة، فماذا أعطينا نحن؟
3) كيف نقدم أو نوظف ما أعطيناه نحن عطاء منا؟
4) كيف نسند الموارنة في ما أُعطوه وكيف نصبّ ما أعطيناه نحن مع عطائهم في سبيل الحقيقة والحرية والإنسان والقيم الأخيرة ولبنان؟
التحليل النقدي، سواء أوُجِّه الى الغير أم الى الذات، قد ينقلب الى مَرَض. أعرف أناسًا يقضون يومهم كله في النقد والتحليل والإفناء والتهديم، وليس لديهم مشروع عملي واحد يقترحونه. يتلذذون بالإفناء ولا يعرفون لذة البناء. عزلوا أنفسهم في زاوية الابتعاد عن تيارات الشعب الفاعلة. اغتربوا فكريًا وأحيانًا أيضًا مكانيًا. شاركوا في هذا الحظ الذي انتهوا إليه وهم عنه في النهاية مسؤولون. المهم أن نعيَ الإيجابيات وأن نكون إيجابيين نحن. المهم أن لا نقبع بشكل مَرَضيّ في السلبيات.ليس أسهل من تبيان نقائص الموارنة، وهم أنفسهم في تبيانها كل يوم مسرفون.وأحيانًا أشفق عليهم في تمزيقهم لأنفسهم وانبري لتبيان إيجابياتهم وإنجازاتهم وإمكاناتهم الهائلة، وكل نقد يُقدَّم إليهم بروح إيجابية يتقبلونه شاكرين. وقادتهم ومفكروهم الكبار يعرفون أوهانهم تمامًا ومع ذلك يبقون بأنفسهم وقدراتهم وإمكاناتهم بالنسبة للبنان وقيمه الأخيرة واثقين وإليها مطمئنين. وهذه عظمتهم الكبرى