نهر العاصي وانماء
الهرمل
حسن شقراني
Al-Akhbar 16-6-2010
يشترك لبنان وسوريا وتركيا في السلطة على نهر العاصي، إلّا أنّ البلد الأوّل، حيث المنبع، لا يجد المدخل المناسب لاستغلال طاقته الهائلة. وهذا المدخل يتصل، على الأرجح، بتصحيح العلاقات مع دمشق، وطمأنتها في شأن استغلال هذا المورد الثمين، الذي استحقّ اسمه على مرّ القرون، فمنذ ألفي عام وهو يعاند الجاذبيّة بغزارته، روى زراعات الإمبراطوريّة الرومانيّة وأطعم نصف العالم
500 كيلومتر هي المسافة الكليّة التي يقطعها نهر العاصي من منبعه في منخفض عين الزرقا، الواقعة بين الهرمل واللبوة، يمضي على الأراضي اللبنانية لمسافة 25 كيلومتراً، ثمّ يقطع 450 كيلومتراً في سوريا، ليلقي حمولته المائية في بلاد أتاتورك.
وعلى الرغم من أهميّة هذا النهر كمورد مائيّ، لم يعمل لبنان على استغلاله، علماً بأنه وقّع وسوريا في عام 1960، اتفاقيّة تحكم عملية تقاسمه واستثماره، ووفقاً لبنودها التي صاغها الخبراء حينها، حصل لبنان على 20% من المياه الإجماليّة التي تمرّ في لبنان سنوياً، والبالغة 400 مليون متر مكعّب بالحدّ الأدنى، وفقاً لما يوضحه رئيس قسم الاقتصاد في جامعة «AUST»، بسّام همدر.
وبعد 34 عاماً، جرى تعديل بنود هذه الاتفاقية، إلا أنّ حصّة لبنان بقيت عند الخُمس، ولم تُفرض تغييرات ملموسة سوى في ما يتعلّق بحفر الآبار الجديدة على ضفّتي النهر في الأراضي اللبنانيّة: إذ بات الحفر ممنوعاً بعد عام 1994، مع إبقاء الآبار التي حفرها المزارعون في السابق.
منذ ذاك الوقت رُسمت علامات استفهام عديدة حول مدى رغبة حكومة لبنان في الاستفادة من الحصّة المحدّدة في الاتفاقية، ومدى إمكان تطوير مشاريع خاصّة على النهر المثير للجدل، تجعل لبنان مستفيداً من تلك المياه على أصعدة كثيرة، بينها الكهرباء.
فقد أعدّ دار الهندسة في عام 2004، دراسة متكاملة خاصّة بكيفيّة استغلال مياه العاصي، تقضي بإنشاء سدّ يرتفع 655 متراً لاستغلال خيرات النهر، وعُرضت تلك الدراسة على الوزارة المعنيّة، غير أنّها بقيت من دون أيّ قرار.
ويوضح همدر، أنّ أصحاب القرار استبدلوا مشروع السد الكبير بآخر صغير يرتفع 65 متراً، وهو يؤمّن المياه فقط لمنطقة القاع ورأس بعلبك، وجزء صغير جداً من منطقة الهرمل، علماً بأنّ زراعات مهمّة تتركّز في هذه المنطقة، وهي بحاجة فعلية إلى مصادر للريّ.
وبحسب مصادر مطّلعة فقد واجهت مشروع السدّ الكبير مشكلة كبيرة، فالمعطيات حتّى الآن تشير إلى وجود «قلق سوري» من إمكان أن يتخطّى لبنان حصّته من المياه إذا جرى إنشاء سدّ بهذا الحجم.
ويبدو أنّ الامور لم تُطرح طرحاً شفّافاً بين الطرفين لكي يجري التوافق على إطلاق المشروع ليستفيد لبنان من منافعه الكثيرة. ولهذا يبقى الملفّ عالقاً مع تستّر على تفاصيله، وعلى أسباب تأخّر المباشرة بالمشروع المذكور.
وعلى الصعيد الاستراتيجي يمكن تبرير خوف السوريّين عندما يتعلّق الأمر بمورد كالمياه، وخصوصاً أنّ المؤشّرات السوريّة على هذا الصعيد تعدّ مبعث قلق، ولا سيما بعد قضيّة الخلاف مع تركيا في هذا الإطار. فلمدّة 10 سنوات بقي سوء التفاهم بين أنقرة ودمشق قائماً في شأن تأثّر سوريا بسدّ أتاتورك. ولم تُحلّ هذه العقدة سوى أخيراً.
ومن الصعب جداً أن تترك سوريا نفسها محشورة على صعيد المياه، وخصوصاً مع لبنان، حيث تعدّ مياه نهر العاصي حاجة أساسيّة ورئيسيّة لها بحسب مطّلعين على هذه المسألة.
وفي المقابل، يتّضح من الأرقام العلميّة المقدّمة أنّ للسدّ منافع قد تبدو خياليّة للبنان. فحين تُرفع المياه لأكثر من 650 متراً فوق سطح البحر، يصبح ممكناً ريّ 7200 هكتار من المساحات الزراعيّة، أي ما يمثّل حوالى 35% من المساحة الإجماليّة البالغة 21 ألف هكتار.
وستكون للمزارعين إفادة إضافيّة إذ ستؤمّن غزارة المياه من على هذا الارتفاع الاستغناء عن محرّكات ضخّ المياه، وتوفّر كلفة المازوت المترتّب على هذه العمليّة.
ووفقاً للتقديرات التي يوردها بسّام همدر، فإنّ السدّ سيؤدّي إلى تبخر 6 آلاف متر مكعب من المياه سنوياً، ما «يخلق جنّة خضار حول النهر على مدار السنة».
أمّا القضيّة الأكثر أهميّة، فهي تتعلّق باستغلال ضغط المياه المتراكمة لتوليد الطاقة الكهربائيّة. إذ إنّه وفقاً لدراسة دار الهندسة نفسها، التي وضعها نزيه طالب، يمكن استخدام 4 توربينات ضخمة لتوليد الطاقة: في المرحلة الأولى تغطّي الطاقة المولّدة كل منطقة البقاع، وفي المراحل المتقدّمة يصبح لبنان مصدّراً للطاقة إلى سوريا وتركيا والأردن، وفقاً لما يوضحه بسام همدر، الذي يشير إلى مشكلة الطاقة، التي يعانيها لبنان منذ أكثر من 30 عاماً، والتي يمكن أن تنتهي بإنشاء السدّ.
وحالة الركود التي تسيطر على مشاريع لبنان الملقاة جانباً في ما يتعلّق بالسدّ، هي نفسها التي تحكم «التفاتة الدولة إلى منطقة العاصي عموماً» يقول همدر. فعلى ضفاف النهر نشاطات اقتصاديّة عديدة من مقاه ومطاعم. كذلك هناك نشاطات رياضيّة مثل الـ«Rafting» والـ«Canoe Riding»، كما هناك الأعمال المتعلّقة بتربية سمك الترويت، حيث يصل إنتاج المنطقة من هذا السمك إلى 500 طنّ سنوياً، وكلها مهملة على الصعيد الرسمي.
إذاً فقضيّة العاصي بين لبنان وسوريا عالقة عند طموحات التطوير لدى البلد الأوّل، ومخاوف فقدان الحقوق لدى الثاني، ولهذا السبب لا بدّ من معالجة دقيقة وسريعة لهذه المسألة، وخصوصاً أن للبنان مشاكله الخاصّة في ما يتعلّق بمؤشّرات المياه عموماً.
فبحسب الدراسات التي أعدّها برنامج الأمم المتّحدة للتنمية (UNDP) تراوح بين 1500 متر مكعّب و2000 متر مكعّب سنوياً الكميّة التي يحتاج إليها الفرد «لكي يعيش حياة صحية ونظيفة ونقيّة». وفي لبنان يتراجع ذلك المعدّل إلى 1460 متراً مكعّباً سنوياً. أي أقل من الحدّ الأدنى للمعدّل العالمي.
وبهدف المقارنة يورد بسام همدر معدّلات مسجّلة في بلدان العالم: 120 ألف متر مكعّب سنوياً في كندا، و27 ألف متر مكعّب في أميركا اللاتينيّة. وفي المقابل يصل المعدّل في الأردن إلى 300 متر مكعب سنوياً، وفي غزّة إلى 57 متراً مكعّباً سنوياً.
يشترك لبنان وسوريا وتركيا في السلطة على نهر العاصي، إلّا أنّ البلد الأوّل، حيث المنبع، لا يجد المدخل المناسب لاستغلال طاقته الهائلة. وهذا المدخل يتصل، على الأرجح، بتصحيح العلاقات مع دمشق، وطمأنتها في شأن استغلال هذا المورد الثمين، الذي استحقّ اسمه على مرّ القرون، فمنذ ألفي عام وهو يعاند الجاذبيّة بغزارته، روى زراعات الإمبراطوريّة الرومانيّة وأطعم نصف العالم
500 كيلومتر هي المسافة الكليّة التي يقطعها نهر العاصي من منبعه في منخفض عين الزرقا، الواقعة بين الهرمل واللبوة، يمضي على الأراضي اللبنانية لمسافة 25 كيلومتراً، ثمّ يقطع 450 كيلومتراً في سوريا، ليلقي حمولته المائية في بلاد أتاتورك.
وعلى الرغم من أهميّة هذا النهر كمورد مائيّ، لم يعمل لبنان على استغلاله، علماً بأنه وقّع وسوريا في عام 1960، اتفاقيّة تحكم عملية تقاسمه واستثماره، ووفقاً لبنودها التي صاغها الخبراء حينها، حصل لبنان على 20% من المياه الإجماليّة التي تمرّ في لبنان سنوياً، والبالغة 400 مليون متر مكعّب بالحدّ الأدنى، وفقاً لما يوضحه رئيس قسم الاقتصاد في جامعة «AUST»، بسّام همدر.
وبعد 34 عاماً، جرى تعديل بنود هذه الاتفاقية، إلا أنّ حصّة لبنان بقيت عند الخُمس، ولم تُفرض تغييرات ملموسة سوى في ما يتعلّق بحفر الآبار الجديدة على ضفّتي النهر في الأراضي اللبنانيّة: إذ بات الحفر ممنوعاً بعد عام 1994، مع إبقاء الآبار التي حفرها المزارعون في السابق.
منذ ذاك الوقت رُسمت علامات استفهام عديدة حول مدى رغبة حكومة لبنان في الاستفادة من الحصّة المحدّدة في الاتفاقية، ومدى إمكان تطوير مشاريع خاصّة على النهر المثير للجدل، تجعل لبنان مستفيداً من تلك المياه على أصعدة كثيرة، بينها الكهرباء.
فقد أعدّ دار الهندسة في عام 2004، دراسة متكاملة خاصّة بكيفيّة استغلال مياه العاصي، تقضي بإنشاء سدّ يرتفع 655 متراً لاستغلال خيرات النهر، وعُرضت تلك الدراسة على الوزارة المعنيّة، غير أنّها بقيت من دون أيّ قرار.
ويوضح همدر، أنّ أصحاب القرار استبدلوا مشروع السد الكبير بآخر صغير يرتفع 65 متراً، وهو يؤمّن المياه فقط لمنطقة القاع ورأس بعلبك، وجزء صغير جداً من منطقة الهرمل، علماً بأنّ زراعات مهمّة تتركّز في هذه المنطقة، وهي بحاجة فعلية إلى مصادر للريّ.
وبحسب مصادر مطّلعة فقد واجهت مشروع السدّ الكبير مشكلة كبيرة، فالمعطيات حتّى الآن تشير إلى وجود «قلق سوري» من إمكان أن يتخطّى لبنان حصّته من المياه إذا جرى إنشاء سدّ بهذا الحجم.
ويبدو أنّ الامور لم تُطرح طرحاً شفّافاً بين الطرفين لكي يجري التوافق على إطلاق المشروع ليستفيد لبنان من منافعه الكثيرة. ولهذا يبقى الملفّ عالقاً مع تستّر على تفاصيله، وعلى أسباب تأخّر المباشرة بالمشروع المذكور.
وعلى الصعيد الاستراتيجي يمكن تبرير خوف السوريّين عندما يتعلّق الأمر بمورد كالمياه، وخصوصاً أنّ المؤشّرات السوريّة على هذا الصعيد تعدّ مبعث قلق، ولا سيما بعد قضيّة الخلاف مع تركيا في هذا الإطار. فلمدّة 10 سنوات بقي سوء التفاهم بين أنقرة ودمشق قائماً في شأن تأثّر سوريا بسدّ أتاتورك. ولم تُحلّ هذه العقدة سوى أخيراً.
ومن الصعب جداً أن تترك سوريا نفسها محشورة على صعيد المياه، وخصوصاً مع لبنان، حيث تعدّ مياه نهر العاصي حاجة أساسيّة ورئيسيّة لها بحسب مطّلعين على هذه المسألة.
وفي المقابل، يتّضح من الأرقام العلميّة المقدّمة أنّ للسدّ منافع قد تبدو خياليّة للبنان. فحين تُرفع المياه لأكثر من 650 متراً فوق سطح البحر، يصبح ممكناً ريّ 7200 هكتار من المساحات الزراعيّة، أي ما يمثّل حوالى 35% من المساحة الإجماليّة البالغة 21 ألف هكتار.
وستكون للمزارعين إفادة إضافيّة إذ ستؤمّن غزارة المياه من على هذا الارتفاع الاستغناء عن محرّكات ضخّ المياه، وتوفّر كلفة المازوت المترتّب على هذه العمليّة.
ووفقاً للتقديرات التي يوردها بسّام همدر، فإنّ السدّ سيؤدّي إلى تبخر 6 آلاف متر مكعب من المياه سنوياً، ما «يخلق جنّة خضار حول النهر على مدار السنة».
أمّا القضيّة الأكثر أهميّة، فهي تتعلّق باستغلال ضغط المياه المتراكمة لتوليد الطاقة الكهربائيّة. إذ إنّه وفقاً لدراسة دار الهندسة نفسها، التي وضعها نزيه طالب، يمكن استخدام 4 توربينات ضخمة لتوليد الطاقة: في المرحلة الأولى تغطّي الطاقة المولّدة كل منطقة البقاع، وفي المراحل المتقدّمة يصبح لبنان مصدّراً للطاقة إلى سوريا وتركيا والأردن، وفقاً لما يوضحه بسام همدر، الذي يشير إلى مشكلة الطاقة، التي يعانيها لبنان منذ أكثر من 30 عاماً، والتي يمكن أن تنتهي بإنشاء السدّ.
وحالة الركود التي تسيطر على مشاريع لبنان الملقاة جانباً في ما يتعلّق بالسدّ، هي نفسها التي تحكم «التفاتة الدولة إلى منطقة العاصي عموماً» يقول همدر. فعلى ضفاف النهر نشاطات اقتصاديّة عديدة من مقاه ومطاعم. كذلك هناك نشاطات رياضيّة مثل الـ«Rafting» والـ«Canoe Riding»، كما هناك الأعمال المتعلّقة بتربية سمك الترويت، حيث يصل إنتاج المنطقة من هذا السمك إلى 500 طنّ سنوياً، وكلها مهملة على الصعيد الرسمي.
إذاً فقضيّة العاصي بين لبنان وسوريا عالقة عند طموحات التطوير لدى البلد الأوّل، ومخاوف فقدان الحقوق لدى الثاني، ولهذا السبب لا بدّ من معالجة دقيقة وسريعة لهذه المسألة، وخصوصاً أن للبنان مشاكله الخاصّة في ما يتعلّق بمؤشّرات المياه عموماً.
فبحسب الدراسات التي أعدّها برنامج الأمم المتّحدة للتنمية (UNDP) تراوح بين 1500 متر مكعّب و2000 متر مكعّب سنوياً الكميّة التي يحتاج إليها الفرد «لكي يعيش حياة صحية ونظيفة ونقيّة». وفي لبنان يتراجع ذلك المعدّل إلى 1460 متراً مكعّباً سنوياً. أي أقل من الحدّ الأدنى للمعدّل العالمي.
وبهدف المقارنة يورد بسام همدر معدّلات مسجّلة في بلدان العالم: 120 ألف متر مكعّب سنوياً في كندا، و27 ألف متر مكعّب في أميركا اللاتينيّة. وفي المقابل يصل المعدّل في الأردن إلى 300 متر مكعب سنوياً، وفي غزّة إلى 57 متراً مكعّباً سنوياً.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire