اعتراضات تحول دون ترميمه وتحويله إلى معلم للسياحة
دير مار مارون في الهرمل.. ينتظر التأهيل والعودة إلى الحياة
صوامع الرهبان تأثرت بفعل الطبيعة وأيدي العابثين
ركان الفقيه
تثير خطوة المطرانية المارونية في بعلبك الهرمل، بإعادة وضع يدها على دير مار مارون التاريخي، عند منبع نهر العاصي، اعتراضا من قبل عائلة النائب السابق المرحوم أسد الأشقر، وبعض أفراد عشيرة آل دندش، الذين يعتبرون أنه جرى اعتماد وسيلة غير مشروعة من أجل انتزاع ملكية العقار والدير الذي يقوم عليه. ويدفع إصرار الطرفين على استعادة ما يعتبرونه حقهم إلى طرح الكثير من التساؤلات حول مصير المشروع، الذي أعلنت عنه المطرانية، والهادف إلى ترميم الدير وافتتاحه أمام المؤمنين المسيحيين، وتحويله إلى أحد أهم مواقع العبادة والسياحة الدينية في لبنان، بعدما كانت الزيارة التاريخية التي قام بها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لمنطقة بعلبك الهرمل الصيف الماضي، وللموقع، قد ساعدت في الإسراع بإطلاق مشروع الترميم، خصوصا لجهة إتمام الإجراءات القانونية التي سمحت للمطرانية بإعادة سلطتها عليه، وتوفير المبالغ المالية المطلوبة للترميم، بعدما كان الدير لقرون عدة عرضة لتغير الكثير من معالمه، بفعل العوامل الطبيعية ولجوء بعض الرعاة إليه خلال فصل الشتاء.
وكان قرار المطرانية ترميم الدير قد أنعش الآمال لدى أبناء منطقة الهرمل، بأن يتحول القرار إلى مقدمة للاهتمام بالآثار التاريخية والدينية الموجودة في المنطقة، التي تتعرض للتخريب المتعمد أحيانا، أو بفعل العوامل الطبيعية، التي تفقدها الكثير من معالمها الهامة أحيانا اخرى، ومن تلك الآثار «صخرة نبوخذ نصر»، و«الكنيسة البيزنطية» في بريصا، و«قنوات الملكة زنوبيا»، و«قاموع الهرمل». وتفيد بعض المصادر التاريخية، بأن «عددا من المهندسين الرومان، كانوا أول من سكن في المغارة التي قاموا بحفرها في الصخور، والتي ترتفع عن مستوى نهر العاصي ستين متراً، وتبعد عن منبعه نهر نحو مئة متر، وجعلوها مركزا لهم خلال عملهم من أجل جر المياه إلى المناطق الداخلية، وصولاً إلى مدينة تدمر. وسكنه في القرن الرابع الميلادي أحد الرهبان السريان، فسمي المكان بمغارة الراهب». ولفتت إلى أن مجموعة من الرهبان الموارنة حولته في القرن الخامس الميلادي إلى مكان للتعبد والصلاة، وحفروا بداخله بئرا تتصل بمياه نهر العاصي بواسطة أدراج، كي لا يضطروا إلى الخروج منه عند تعرضهم للاضطهاد أو الحصار، وغادروه بعد سيطرة المماليك والعثمانيين على المنطقة، واستمر الدير منذ تلك الفترة مهجوراً وعرضة للخراب حتى اليوم».
يقول محمد دندش وهو أحد ورثة مالكي العقار الذي يقوم عليه الدير: «إن الخلاف على ملكية العقار بدأ في العام 1934»، حين تقدمت جدته بدعوى ضد البطريركية المارونية، «لأنها كانت قد وضعت يدها على العقار، أثناء نفي عشيرة آل دندش إلى منطقة الميادين في سوريا، من قبل سلطة الانتداب الفرنسي في العام 1923، وقد ربحت الجدة الدعوى في حكم قضائي صدر في العام 1957». يضيف «اشترى السيد أسد الأشقر الحصة الأكبر في العقار، والتي تعود حاليا إلى ورثته، واستمر الأمر كذلك إلى أن استملكته مديرية الموارد المائية في وزارة الطاقة والمياه من ضمن الأراضي الأخرى التي استملكتها، من أجل إنشاء سدّ على نهر العاصي، وهو ما أثار علامات استفهام، لأن موقع إنشاء السد بعيد جدا عن ذلك المكان، ولا يتطلب استملاك العقار الذي يقوم عليه الدير».
من جهته يوضح نظام الأشقر نجل النائب السابق أسد الأشقر، أن العائلة «بصدد إعداد رسالة طلبها البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال زيارتها الأخيرة له». وتتضمن الرسالة «مطلب الورثة من أبناء العائلة، وتشرح الملابسات التي أحاطت بنقل ملكية الدير للمطرانية بعلبك الهرمل بطريقة ملتوية، بحجة توسيع حرم نهر العاصي لحمايته من التلوث، وتبين أنه أمر غير صحيح، لأن الاراضي التي يقوم عليها الدير لا حاجة لاستملاكها من أجل حماية النهر، خصوصا بعدما تم تأجيره لاحقا للمطرانية، ما يدل على أن هناك خطة منذ البداية لإعطائه للمطرانية، وتحديدا على يد أحد الموظفين في وزارة الطاقة والمياه». ولفت الأشقر الى أن «النائب السابق غسان الاشقر تقدم باستيضاح الأمر في حينه، وكان الجواب بعدم جواز بقاء أي مبنى مجاور للنهر، من دون استملاك من قبل الوزارة، لأنه يسبب تلوث النهر وهو ما لا يقبل به السوريون، واعتبرناه في وقتها منفعة عامة وضرورية لسير مشروع سد العاصي، ورفضنا المبلغ الذي صرف لنا في مقابل استملاك الدير والعقار الذي يقوم عليه، وهو ثلاثون مليون ليرة لبنانية لنقرأ مؤخرا انه تم تأجيره للمطرانية».
ويقول راعي أبرشية بعلبك الهرمل للموارنة المطران سمعان عطا الله انه يسعى لإعادة ترميم الدير، انطلاقا من مسؤوليته الروحية والرعــوية والوطنية، «والتأكيد على أن الحضــور المسيحي في لبنان والمنطقة بخير، ويجب أن يكون كذلك في كل مكان، وهو عودة للجذور والهوية للكنيــسة المسيحية المبنية على النسك وعبادة الله، ولتحقيق الرسالة التاريخية للبنان في الدعوة للعيش الواحد، خصوصا أن الدير كان يستقبل الناس سواء كانوا مسيحيين أم لا، ويحتضن الحوار بين الأديان، وهو موقع وطني أكثر من كونه موقعا أثريا». وأفاد المطران عطا الله، بأن «الدير كان ملكا للرهبان، لكن الظروف التاريخية جعلته ينتقل من شخص إلى آخر، ولا تريد المطرانية سوى بقائه علامة حياة في قلب المنطقة والشرق». ويشير إلى أنه «بعد امتلاك الدير من قبل الدولة، قدمت المطرانية اعتراضا على ذلك لكونه ملكا دينياً، وحصلت تسوية الموضوع من خلال توقيع عقد قانوني مع الدائرة الرسمية المختصة لاسثماره من قبل المطرانية، وبالتالي يعطيها الحق باعادة ترميمه، وفتح أبوابه أمام المؤمنين من المسيحيين وجميع اللبنانيين»، لافتاً إلى أنه لا يرغب بـ «الدخول طرفاً في أي سجال حول موضوع استملاك الدير، لأن ذلك حصل من قبل وزارة الطاقـة والمياه». وأبدى استعداده الكامل للوقوف إلى جانب الأهالي من أجل الحصول على تعويض أكبر بدلا من استملاك أراضيهم المجاورة للدير من قبل الدولة.
source:
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire