mercredi 21 décembre 2011

المطران سمعان عطالله : مغاور وصوامع تستعيد تاريخ الموارنة المتعبّدين

المطران سمعان عطالله : مغاور وصوامع تستعيد تاريخ الموارنة المتعبّدين
21 / 12 / 2011
دعماً للحضور المسيحي في بعلبك ودير الاحمر وتعزيزاً للعيش المشترك عقد رئيس اساقفة بعلبك ودير الاحمر للموارنة المطران سمعان عطاالله مؤتمراً صحافياً أعلن خلاله اطلاق مشروع اعادة بناء دير مار مارون – العاصي
في مقدمة مؤتمره تساءل سيادته :هل تريدون إبقاء دير مار مارون على العاصي أنقاضا فيكون علامة للموت، مشجّعين عملية دفن الحضور المسيحي في الشرق، ومعطين هكذا  حقا للقائلين بصراع الحضارات، أم إنكم  تهبّون لإعادة الحياة إلى هذا الدير التاريخي العريق؟ إذا كان خياركم للحياة، كما أعتقد، أيها اللبنانيون عامة والمسيحيون خاصة، مظهرين هكذا صدق نواياكم ومعبّرين عن إيمانكم برسالة لبنان التاريخية، يصبح هذا الدير المقدّس علامة للقيامة والحياة، فتنادون عندئذ بضرورة لقاء الديانات والحضارات، بالمحبة والحوار، بنيانا للأخوّة والسلام ؟
جغرافية هذا الدير وتاريخه:
1-مغاور وصوامع تحتضن تاريخ "الموارنة المتعبّدين المتنسّكين" (= الرهبان) وتدعو إلى قراءة هادئة على أنغام خرير مياه النهر الهادر، لأخذ العبر من أجل بنيان مستقبل واعد عبر  الحج والسياحة الدينيّين إلى دير مار مارون، الذي لم يعص رهبانه كجارهم النهر، المنسابة مياهه عكس الطبيعة، بل فضّلوا الامّحاء، منكرين ذواتهم طاعة للإنجيل، فماتوا على رجاء القيامة، تاركين العاصين على كلّ خير، يعيثون، حقدا، في تدمير الحجر بعد قتل البشر. إن هذا التدمير جاء غلطة من غلطات التاريخ، يدعونا ربنا إلى تخطّيها والغفران لمرتكبيها والنسيان. فمقاومة الحاقدين بسلاح الغفران وروح المصالحة تثمر قيامة وحياة. أما مقاومة الشر بالشر وبشريعة العين بالعين والسن بالسن، فلا تنتج إلا  دمارا وموتا وخرابا وحروبا، لا تنتهي إلا بالقضاء على الأخضر واليابس، كما يقال.
2 -  فبين آثار قديمة لحضارة، كتبت تاريخها بتقشفات عبّاد، انكبوا على التأمل عميقا في كلمة الله، كلمة الخلاص والحياة، وعلى صلاتها متضرّعين خاشعين، مثمّنين دم تلاميذ مار مارون، الذين استشهدوا وهم في طريقهم، برفقة رهبان آخرين، إلى دير مار سمعان العمودي على جبل بركات، شماليّ غربيّ حلب (في القرن الخامس)، لعقد مؤتمر حول كيفية نشر فكرمجمع خلقيدونية اللاهوتي (سنة 451 م)،
ووسط هضاب قاحلة، تخفي بين أحشائها قصصا وحكايات عن تعبّد رهبان مار مارون وتشفعهم، رافعين أيدي التضرّع إلى الله من أجل السلام بين الشعوب وخلاص البشر أجمعين، تضرّعات رافقتها آلام ومعانات وعذابات، صقلت نفوس الرهبان المتوحّدين وزادتهم قداسة،
هناك، نعم، يتكئ دير مار مارون، مرتاحا، ساندا ظهره على صخور دهرية، ومرسلا نظره صوب البعيد، مرافقا مياه العاصي، المنسابة عبر سهول سورية إلى ميناء اسكندرون، التزاما بالرسالة، ومطلقا عاطفة حنين إلى مدينة الله أنطاكية، ومعلنا فعل إيمان بدورها كعاصمة روحية كنسيّة لرهبانه وللمؤمنين.
  مغارة الراهب، أو دير مار مارون، يقع على ارتفاع حوالي سبعين مترا فوق الضفة الشرقية للنهر المذكور بمحاذات نبعي الزرقاء والدفاشة، ليشرف على منحدر  كبير، ينتهي في أسفل  الوادي، وقد حفر الرهبان في داخله نفقا يقودهم حتى النهر ليستقوا الماء التي يحتاجونها دون أن يراهم أحد، بخاصة أخصامهم، الذين كانوا يطاردونهم بسبب إيمانهم الخلقيدوني. آثارهم تدلّ عليهم وتحكي عن مقاومتهم، وطبيعتها فكرية لاهوتية، لا تلجأ إلى الحديد والنار، بل تبنى على المحبة والمصالحة، وتقصّ حكايات القهر والتهجير والنزوح والاضطهاد، الذي أصبح من مكوّنات تاريخهم المجيد في هذا الشرق، حيث هم أصيلون متجذّرون. لقد اعتاد الباحثون والمؤرّخون أن يذكروا الدير في كتبهم كمهد من أمهاد المارونية، هذه المدرسة اللاهوتية والنسكية والفكرية، المنبثقة من الفكر الأنطاكي السريانيّ ومن المعتقد الخلقيدوني.
3 -  دير مار مارون هذا قدّم، إلى جانب الخدمة الروحية والراعوية، التي اكتنزها في مستودع استحقاقات المسيحيين في هذا الشرق، خدمة اجتماعية انسانية، كونه شيّد على دروب دولية، تصل ما بين الشمال الغربيّ، عبر أنطاكية، والجنوب الشرقي، حيث الأراضي المقدسة في فلسطين، التي يقصدها الحجّاج من كلّ حدب وصوب للتبرّك والتعبّد، كما تصل بين الجهة الشرقية لحوض البحر الأبيض المتوسط  وداخل البلاد، حيث بعلبك وبالميرا، عن طريق بيبلوس وأفقا واليمونه. هكذا حلّ القديس إيرونيموس على دير مار مارون على العاصي، وعلى غيره من الأديار والجماعات المسيحية في منطقة بعلبك، للاستراحة، وبخاصة، كما يقول هو نفسه، لكي يرى كيف أن الجماعات الرهبانية والمسيحية تقرأ كلمة الله. وهكذا أيضا حلّ ضيفا  على هذا الدير موكب السبايا في طريقه من كربلاء إلى الشام، للاستراحة والتزوّد بما يلزم لمتابعة السفر، كما نقرأ في سيرة الحسين.
لماذا إعادة الحياة إلى هذا الدير؟
4 -  من هنا ضرورة ترميم هذا الدير المبارك وإعادة الحياة إليه ليستعيد دوره ويقوم برسالته المنتظرة، رغم المغامرة، التي يقوم بها المؤمنون بقضية سامية مباركة، كقضية دير مار مارون على العاصي وبرسالته المقدّسة، روحيا واجتماعيا:
+ روحيا: ألم يكن المؤمنون من جميع البلدان القريبة والبعيدة يقصدون النساك والمتوحّدين، الخبراء بالله، ليلتمسوا منهم كلمة خلاص وحياة؟ إن إعادة الحياة إليه هي حافز لحركة تجدّدية وتجديدية في كنيستنا وفي سائر الكنائس، على كلّ الصعد؛ فالعودة إلى الجذور تشكّل عنصرا فعالا في النهضة الروحية المنتظرة وفي تدعيم الحضور المسيحي في هذا الشرق، كما وفي بناء مناعة قوية في رسالة العيش معا الحضارية.
+ واجتماعيا: بالفعل، حيث كان يشيّد دير، كان الناس يتسابقون ليبنوا حوله منازلهم والبيوت. إن إعادة ترميم هذا الدير المبارك سوف يشجّع المواطنين، بخاصة الذين شرّدوا وهجّروا ونزحوا أو هاجروا، إلى العودة إلى تلك المنطقة، إلى إلى العودة إلى جذورهم، ليقوموا بدورهم ويؤمّنوا رسالة العيش معا، رسالة لبنان التاريخية. للأسف، يبقى تحرّك جميع المتحدّثين اليوم عن الحضور المسيحيّ في الشرق، بخاصة حكّام الدول ومسؤولو مؤسسات ومنظمات دولية، وقفا على الاستطلاع والاستكشاف، وعلى تثبيت المهجّرين في هجرتهم والمهاجرين في غربتهم والنازحين، بحثا عن أمنهم وسلامة أطفالهم، في أماكن نزوحهم، عوض أن يضغطوا على المعنيّين، على كلّ الصعد، لاعادتهم، بشتى الوسائل والامكانيات، إلى بلدانهم وقراهم وبلداتهم والمدن لمتابعة دورهم في بنيان أوطانهم، ومواصلة المشاركة في ازدهارها وإنمائها وتأمين رسالتهم، رغم الظروف الصعبة. هذا هو دور الدولة، لا بل والدول والمجتمعات الراقية.
وختم متسائلا عن ترجمة المسؤوليات عمليا:
5 -  ما هي مسؤوليات الدولة والكنيسة والشعب في لبنان، في تحقيق هذا المشروع، وما هو دور الدول الأجنبية والشعوب المحبّة للسلام والغيورة على حقوق الانسان في الحقول عينها ؟
فيما أشكر إصغاءكم، أترك لحضرة الإعلامية الناجحة والمعروفة، مشكورة، السيّدة والاستاذة يولاند الخوري ياغي،  مهمّة تسليط الضوء على الأسئلة التي طرحت في مداخلتي هذه.
ختاما، يطيب لي أن أقدم لكم أجمل الأماني بالأعياد المجيدة: وُلد المسيح، هللويا !"

Aucun commentaire: