عن 6 أيار...او "إبادة" ثلث جبل لبنان
كبريال مراد -بين الـ1916 والـ2015، تغيّرت معالم بيروت، وتبدّلت احوالها. بات قلب العاصمة في احيان كثيرة خالياً من الروح، وارتفع الحجر ليشكّل طوقاً من الاسمنت فوق ارض تحتضن في باطنها آثاراً عن حقبات مضت...
كثيرون يمرون بجوار تمثال الشهداء في وسط بيروت من دون ان يعرفوا تاريخيته ورمزيته. قد يعتقد البعض منهم أنه أحد المجسمات او النصب التذكارية الحزبية المنتشرة في العديد من المناطق اللبنانية، وقد يظن آخرون انه جاء ليذكّر المارة بمأساة الحرب اللبنانية التي اندلعت في العام 1975، لاسيما انه يحمل شظايا من تلك الحقبة ولكن لهذا التمثال، ولتلك الساحة روايتها.
ووفق المراجع المختلفة، تعود الحكاية الى العام 1916 أثناء الحكم العثماني في البلاد ، إذ أعدم جمال باشا قائد الجيش العثماني في البلاد، الذي عرف بالجزار، 14 وطنياً لبنانياً في الساحة إثر خسارة الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى متهماً إياهم بمساعدة الأعداء.
وعند دخول الفرنسيين إلى البلاد، أمر الجنرال الفرنسي غورو بإنشاء قوس تذكاري للشهداء، كما تسمية المكان "بساحة الشهداء". حينها بنى النحات يوسف الحويك من الصخر اللبناني نصباً يمثل امرأة مسلمة وأخرى مسيحية تندبان على قبر. ولكن تم هدم التمثال خلال الاستقلال لاعتباره رمزاً للذل، حسب المؤرخين.
في العام 1950، أمر رياض الصلح بتهديم السراي لتوسيع الساحة وإنشاء مناطق تجارية حديثة فأصبحت ساحة الشهداء قلب بيروت التجاري. وبعد عامين في أواخر عهد الرئيس بشارة الخوري خصصت الحكومة جائزة دولية لوضع تصميم جديد لنصب الشهداء وتم اختيار تصميم المهندس سامي عبد الباقي وهو عبارة عن قوس بارتفاع 27 متراً وعرض 24 متراً وتحته مسلّة بارتفاع 8 أمتار، تعلوها مصطبة على جانبيها شعلتان دائمتا الاشتعال. إلا أن حوادث العام 1958 حالت دون إتمام العمل.
وبعد أحداث العام 1958، كلف مجلس مدينة بيروت البلدي النحات الايطالي مارينو مازاكوراتي بنحت نصب جديد للشهداء. وأنهى العمل بعد 30 شهراً بالتمثال الحالي الذي دشّن في العام 1960 برعاية الرئيس اللواء فؤاد شهاب.
في الوقائع اذاً، يختصر التمثال من اعدموا في وسط بيروت على يد جمال باشا السفاح، ولكن، للمؤرخين والكتاب رأيا آخر، فهناك عملية تجويع ممنهجة مارسها العثمانيون، ادت الى ابادة نحو 250 ألف لبناني، وربّما أكثر.
وفي هذا السياق، تقول الدراسات: إن داود باشا اجرى في العام 1913 إحصاء حدّد عدد سكّان متصرّفية جبل لبنان بـ414800 نسمة. لكن أرقام أعداد الوفيات بسبب المجاعة متفاوتة فتقرير الصليب الأحمر الأميركي يقدّر العدد بـ250 ألفاً، أما ترابو مسؤول المخابرات الفرنسيّة في أرواد فيقول إن العدد بلغ 110 آلاف في كسروان وجبيل والبترون والمتن غير أن هذا الرقم بقي محصوراً بأربع مناطق فقط. اما الـEgyptian Gazette فتتحدث عن 200 ألف، وترجّح تشتلر الألمانية مقتل 200 ألف بين سورية ولبنان".
مهما تفاوتت الارقام، فإنها تلتقي عند أن "ثلث الشعب اللبناني قضى بسبب المجاعة وانتشار الأمراض" . مارس الاتراك الحصار والتجويع والإخضاع على سكان جبل لبنان. وفي هذا السياق، يتحدّث نقيب اطباء لبنان في بيروت البروفسور أنطوان البستاني في كتابه "تاريخ المجاعة الكبرى في جبل لبنان (1915 – 1918) إبادة مرّت بصمت" عن "إبادة من الدرجة الأولى حصلت نتيجة إرادة مسبقة وتمت ترجمتها بحصار برّي فرضه العثمانيون على كامل جبل لبنان لمنع إدخال القمح من البقاع وسورية، وفي المقابل قاموا بمصادرة القمح من البيوت لإطعام جيوشهم".
يورد البستاني كيف باع الأهالي بيوتهم ورهنوها مقابل كيس من القمح وباعت النساء أجسادهن... ليؤكد ان ما حصل كان رهيباً حرّك اللبنانيين في مصر وبلدان الإنتشار، الامر الذي دفع بالملك الإسباني والولايات المتحدة الى الضغط على السلطنة من دون جدوى.
في مقاربته، لا يقتنع البستاني بالرأي القائل بأن ما حصل جاء نتيجة الحصار البحري الذي فرضه الحلفاء "فالقمح يصل إلى الجبل عن طريق البر من البقاع وسورية وليس من طريق البحر"، ويسأل "إذا كان الحصار البحري هو السبب فلماذا صادروا القمح من البيوت ومنعوا إدخاله إلى الجبل؟".
بعد مئة عام، تتكرر المأساة بأوجه جديدة، مع داعش واخواتها، تماماً كما حصل ويحصل مع اللبنانيين، تماماً كما حصل ويحصل مع السريان والآشوريين من سورية الى العراق.
Envoyé de mon Ipad
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire